اختتمت يوم السبت فعاليات الطبعة السابعة عشرة للصالون الدولي للكتاب بالجزائر، الذي أشرف على افتتاحه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم 19 سبتمبر، على وقع ارتياح كبير في أوساط أهل الكتاب من زوار وعارضين ومنظمين افترقوا على أمل كبير في الالتقاء في الطبعة الثامنة عشرة في 2013. أهم ما ميز الطبعة الـ17 من الصالون هو انتقال هذه التظاهرة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الدولية من مركب محمد بوضياف بأعالي العاصمة إلى قصر المعارض بالصنوبر البحري ببلدية المحمدية، وعلى رأسها محافظ جديد يتمثل في شخص السيد: حميدو مسعودي، مدير المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية.

تزامن تنظيم الدورة الـ17 للصالون، التي دامت 10 أيام، من الـ19 و29 سبتمبر 2012، مع انخراط الجزائر في تنفيذ برنامج من الفعاليات احتفالا بالذكرى الخمسين لاستعادة سيادتها. الشيء الذي يفسّر اختيار "كتابي حريتي" شعارا للدورة. وهو ما يترجم نظرة الجزائر إلى الدور الذي أداه قطاع بأكمله، من مؤسسات نشر ومؤلفين مستنيرين وجمهور قارئ وفاعل، سواء من أجل دعم النضال الوطني في سبيل الاستقلال قبل 1962، أو من أجل الإسهام في بناء الدولة الوطنية وتحقيق تراكم الرأسمال الرمزي للأمة الجزائرية بعد ذلك.


شهدت الدورة الـ17 للصالون مشاركة 745 عارضا قدموا من 43 دولة، من بينهم 230 ناشرا جزائريا. وقد توزع هذا العدد القياسي من الناشرين على 535 جناحا ضمن مساحة فعلية قدرت بـ 14.000م2.

كما تميز الصالون بتنظيم أكثر من 50 فعالية ثقافية بين محاضرة وندوة تناول معظمها تاريخ الحركة الوطنية وحرب التحرير؛ وبين تكريمات طالت كلا من الكاتب رشيد بوجدرة، الروائي ومناضل القضية الوطنية، وشهيدي القلم والكفاح من أجل الحرية في الجزائر: أحمد رضا حوحو ومولود فرعون، وكذا مجمل أعمال سفير الأدب الجزائري وصوته المعاصر الروائي ياسمينة خضرا، وتكريم الأديب المرحوم رابح بلعمري، وكذا عميد الناشرين الجزائريين، صاحب "دار الكتاب" بالعاصمة، محمد الصغير وسطاني؛ وبين أمسية أدبية وشعرية نشرت عبقها رسائل إنسانية وجمالية حركت مشاعر الحضور بقدرما فتحت العيون على السؤال الراهن والمصير مرات ومرات. "روح المهرجان الإفريقي" من جهته، سجل حضوره للسنة الرابعة على التوالي. الشيء الذي جعل المشرفة عليه تذهب، في تقييمها، إلى "أن أربع سنوات من حضور "روح المهرجان الإفريقي" تمثل تاريخا من الإيمان بإفريقيا والوفاء لها، وجهدا جبارا من أجل تعزيز الأواصر الثقافية وربط الصلة بين أجيال النضال المشترك من أجل التحرر وأجيال التنمية في إفريقيا، كما أنها نظرة في في اتجاه تعزيز هذه الصلة عبر الثقافة والكتاب والإبداع الفني.

شارك في تنفيذ برنامج الفعاليات الثقافية المصاحبة أكثر من 150 متدخلا من مؤرخين ومثقفين وأدباء وفنانين قدموا من آفاق جغرافية مختلفة، جزائرية وعربية وأجنبية. وإلى جانب هذا، وبالتعاون مع متحف السينما بالجزائر تمت برمجة وعرض 18 فيلما لمخرجين سينمائيين جزائريين وأجانب تناول بعضها موضوع الثورة الجزائرية. وهذه الأفلام مقتبسة من أعمال أدبية لكبار الروائيين الجزائريين على غرار مولود معمري ورشيد ميموني وعبد الحميد بن هدوقة، والروائيين العالميين على غرار نجيب محفوظ ومحمد شكري وإرنست هيمنغواي وفيكتور هوغو وغيرهم.

كما شهدت قاعة المحاضرات التابعة لفندق الهيلتون يومي 28 و29 سبتمبر انعقاد ملتقى دولي نظم بالاشتراك بين محافظة الصالون ومركز الدراسات وبحوث ماقبل التاريخ والأنثروبولوجيا التاريخية، وتمحور حول "إشكالية التاريخ والكتابة الأدبية". وهو الملتقى الذي شهد تقديم 40 محاضرة تناول فيها أصحابها إشكالية العلاقة بين التاريخ بوقائعه وأحداثه وأشخاصه ومواقعه وتجليات كل ذلك في الكتابة الأدبية بما هي محاكاة للواقع عبر الخيال المبدع والصياغة الأدبية الفنية بمختلف أشكالها المتعارفة من قصة ورواية ومسرح وشعر.

ولئن أجمع المشاركون على أن الدورة الـ17 لصالون الكتاب كانت ناجحة من الناحية التنظيمية وإقبال الجمهور، وحققت الأهداف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المنتظرة منها حتى قبل الإعلان عن حصيلتها النهائية والرسمية لها، ووصفوها بـ"العرس الثقافي الحقيقي للجزائر والجزائريين، كبارا وصغارا وهم يحيون خمسينية الاستقلال"، خاصة وقد تجاوزت عدادات الدخول إلى أروقة الصالون عتبة مليون زائر، غير أن المشرفين عليها يسجلون، ولو على سبيل النقد الذاتي، مثلما أشار محافظ الصالون، بعض النقائص في نظام الإشارة وإرشاد الزوار إلى المرافق التي يقصدونها، وعدم ملاءمة بعض القاعات المخصّصة للنشاط الثقافي المصاحب من حيث الواصفات الفنية والتجهيز. وهو تحد وعد المحافظ على العمل، مع مسؤولي مؤسسة المعارض والتصدير، على تداركه في الطبعة القادمة.